لمحة عن تاريخ الأنساب
عني العرب في الجاهلية والإسلام بأنسابهم فحفظوها ورووها في جاهليتهم ودوّنوها في إسلامهم ، وأصبحت لديهم عملاً له فوائده وقواعده .
ففي الجاهلية كانت الأنساب وسيلة تجمع العرب بعضهم إلى بعض وتدفع الخطر عنهم . أما في الإسلام الذي لم يكن من شأنه المفاخرة بالأنساب ، لأنه جعل التقوى مكرمة للإنسان ، قال تعالى : ) إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ( فحلت التقوى محل حمية الجاهلية وفخرها بالآباء ، وأصبح الأكرم هو الأتقى ، ولكن ذلك لم يمنع المسلمين من الافتخار بأنسابهم والحفاظ عليها ، حتى إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) . ورغم الدعوة الصريحة التي جاء بها القرآن الكريم إلى الافتخار بالتقوى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حض على تعلم الأنساب وحفظها فقال : ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ) . فجعل غاية التعلم صلة الأرحام لا التفاخر بالأحساب .
وقد انقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا من ابنته فاطمة الزهــراء رضي الله عنها ، فهي أصغـر بناته وأحبـهن إليه ، وبذلك يكون الله تعالى قد آثرها بالنعمة الكبرى فحصر في وِلدِها ذرية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . وحفظ بها أشرف سلالة عرفها العرب منذ كانت ، فهي وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة ، والمنبِّت الطيب لدوحة الأشراف من آل البيت . ثم من أولادها الأسباط .
وتفرعت أغصان تلك الشجرة الميمونة في سائر أرجاء المعمورة . ولذا عني بحفظ سلاسلها النسابة الأعلام صيانة لمقام هذا النسب العالي من الدخلاء ، وحفظاً لشرفه فنال الأحفاد والأسباط ما له من المزايا والخصوصيات . ولمَّـا وهم بعض الناس أن الأحفاد هم ورثة النسب بالتعصيب ، وأن الأسباط لا حظ لهم منه ولا نصيب ، انتدب أعلام العلم لرد هذا الوهم ، فأفتوا بمساواة الإناث للذكور في هذا الشرف المذكور ، وأن الأسباط يضربون فيه بوافر سهم فيثبت لهم الشرف الكريم من قبل الأم . وصنفوا في ذلك مؤلفات عديدة أيدوها ببراهين سديدة . وكيف لا ينال الشرف من قبل النساء ! وقد بدأ أصل شرف النسب من النساء عن طريق سيدتهن فاطمة البتول الزهراء رضي الله عنها وصلوات الله وسلامه على أبيها الرسول الكريم . ولا جرم أن هذا من محاسن الإسلام إذ كرَّم المرأة وشاطرها مع أخيها الشرف والإحترام .
وبما أن كلمة آل البيت أعم من الأشراف أي باعتبار العرف وذلك لأن الآل بمعنى الأهل . وأهل النبي صلى الله عليه وسلم ( أزواجه وبناته وأصهاره ويدخل في الأحفاد والذريات ) ومنه قوله تعالى : ) وَأْمُرْ أهلك بالصلاة ( كما في تاج العروس .
وخلاصة القول إن الشرف طبقات ، أعلاها ما كان لاب ، ثم ما كان لأم ، وأن الأول له النسب حقيقة والثاني له حظ من الشرف كحظ الرحم من القرابة .
وأخرج الطبراني مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ابن أخت القوم منهم ) .
قال المناوي في شرحه يقصد بهذا التحريض على الألفة بين الأقارب. من أجل ذلك عنيت الملوك أيام حضارة العرب بتوظيف نقابة الأشراف حفظاً لحقوق المنسوبين . فلما ولي الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط . ويبدو أن هذا الأمر قد استمر ففي القرن السابع الهجري جدد الملك الأشرف ملك اليمن معنى الشرف بقوله : لا يطلق الشرف إلا على من كان من ذرية أولاد علي كرم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهما الحسن والحسين . ثم عدل ذلك عند الفقهاء وصار الشرفاء هم آل سيدنا علي وآل العباس وآل جعفر وآل حمزة . فمن كان من الخلفاء من أولاد العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قيل لهم العباســيون . ومن كان مـن خلفـاء بني أميـة قيل لهم الأمويــون . ونتـج عـن ذلك في النسب إلى آل البيت أن أصبح لذوي الأنساب في العصر العباسي نقابة خاصة بهم . وأصبح لهم نقيب اسمه نقيب الأشراف .
وكان للأشراف في مصر أيام الفاطميين نقيب آخر وانحصرت نقابة الأشراف بدءاً من القرن الثاني عشر الهجري وإلى الآن ، برجال بيت البكري ، فهم من أسباط سيدنا الحسن عليه السلام ، ويجب أن يكون النقيب من وجوه الأشراف ورؤسائهم . وينحصر عمل نقيب الأشراف بحفظ الأنساب ومعرفة من ولد ومن مات منهم وضبط أوقافهم .