بنات وأبناء العم الكرام: يمكن لمن يود دفع صدقة الفطر أو زكاة المال لصندوق العائلة، الاتصال مع أحد أبناء العم: غسان 0932215552 ، مؤيد 0933241214 والتنسيق معهم. جزاكم الله كل خير، وكل عام وأنتم بخير. لجنة عائلة القدسي الحسيني.
نرحب بكم في موقع عائلة القدسي الحسيني في مدينة دمشق.
نرحب بمساهماتكم البناءة، سواء كانت مقالات فكرية أو أدبية أو شعرية، أو أخبار وطرائف جديدة.

بحث عن مهنة
بحث عن اسم
 بنات عمي محمد كامل، د. لينا وهانية القدسي حجاً مبروراً : امل القدسي   |   إليك يابنت العم مها أم ياسين أحلى الدعوات وأصدقها، مباركة قدوم حفيدك الجديد (عبد الله بن بشار حباب)، أقر الله عيونكم به، وأمدك بالصحة والعافية : امل بنت مكرم   |   إلى الشباب والشابات، أبناء العم الذين بدؤوا عامهم الجامعي الأول courage : امل القدسي   |   أولادي: مبروك نجاح المعتز بالله بن محمد ماهر في البكالوريا التجاري، ونجاح ممدوح بن محمد ماجد في البكالوريا العلمي : جمانا المهدي   |   ألف مبروك ياهانية ( أم هيثم ) نجاجك بالبكالوريا : لينا القدسي   |   ألف مبروك بمناسبة نجاح أختي هانية بشهادة البكالوريا : زياد القدسي   |   مبارك لإبن العم عبد الرحمن بن رضوان القدسي نجاحه في البكالوريا بدرجات عالية : علا القدسي   |   مبارك نجاح أبناء صادق القدسي/ لينا في البكالوريا/ وجعفر ومحمد في التاسع : الدكتور أيسر القدسي   |   ألف مبروك نجاح نور فاطمه بنت محمد ماهر في الثانوبه التجارية، وكل أبناء وبنات العم جميعاً : المعتز بالله    |   تحية إلى آل القدسي، تحية إلى عائلتي المحترمة، وأنا سعيدة بوجودي معكم، وأتمنى التواصل معكم : رنيم قدسي   |   نشكر كل من ساهم في إنجاز هذا العمل الرائع الجميل.، والتقدير العالي للسادة الذين عملوا على إنجاز هذا الموقع، لأنه بالفعل مفخرة لعائلة القدسي و عز وشموخ و تكريم لنا جميعاً، والشكر الجزيل والتقدير لكل من عمل في هذا الموقع، أنا سعيد جداً بكم، والله شئ جداً عظيم، سلامي إلى كل أفراد عائلة القدسي و أولاد العم الكرام في دمشق الحبيبة و حلب : محمد عيسى محمد مصطفى القدسي الحسيني / القدس فلسطين   |   سلامي إلى جميع عائلة القدسي في دمشق و حلب، ابن عمكم من القدس مقيم في إيطاليا. Aalkasswara@alice.it : محمد عيسى محمد مصطفى القدسي الحسيني / القدس فلسطين   |   ألف ألف مبروك التخرج حبيبتي وصديقتي هنادي بنت هاني، وإن شاء الله منشوفك عروس : ولاء ريحاوي   |   ألف مبروك لأختي هالة القدسي بالمولود الجديد تيم منصور : هنادي هاني القدسي   |   حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، تقبل الله طاعتكم الأخت الحاجة سناء القدسي وزوجها سامر القصار : سهله القدسي   |   أتقدم لأبناء العم بالتهاني القلبية بمناسبة عيد الأضحى المبارك, كل عام والجميع بألف خير : الدكتور أيسر القدسي   |   أهنئ ابنتي علا بنجاحها بالصف التاسع الشرعي بعلامات جيدة، وأرجو لها دوام التقدم والنجاح : أم علا محمد محمد نادر القدسي    |   أبارك نجاح ضياء القدسي إلى الصف السابع : عمة سوسو   |   إهداء للقائمين على الموقع، "كلمة شكر" على التطور الملحوظ، وإلى الأمام دائماً إن شاء الله، ونداء لأبناء وبنات العم "كلمة عتاب" لافتقادنا لمساهماتهم ومشاركاتهم في موقعهم هذا : محمد   |   أبارك لأختي سناء حفيدها اللذيذ، عقبال الجميع، سهلة القدسي :    |   أبارك لأسرة الموقع التعديلات الأخيرة التي أجرتها على الموقع، مع تمنيات التوفيق والنجاح : مهند أورفلي :    | 
  مساهمات القراء

مايكل جاكسون: الموت بالسكتة "الحضارية"

مقال للدكتور أحمد خيري العمري :

بعض الأشخاص يتمكنون فعلا من أن يصبحوا رموزا لمجتمعاتهم وحضاراتهم: يمثلون قيمها وقوتها ومبادئها، وتكون قصة حياتهم بطريقة ما، اختصارا لقصة حضارتهم وتركيزا مكثفا لها..

وبعض الأشخاص، على الجانب الآخر، يكونون أيضا رموزا لحضاراتهم ومجتمعاتهم ولكنهم يكونون رمزا لسلبياتها، لكل نقاط ضعفها، لكل ما سيكون السبب في مقتلها: ويكون نجاحهم وشعبيتهم دليلا على موت قادم لا محالة..

لا أجد أكثر من هذا تعبيرا عن كل المظاهر الاحتفالية المصاحبة لموت نجم الغناء، ملك البوب، مايكل جاكسون والذي كان بحق "رمزا أمريكيا" an American icon.

هذا الوصف استخدم بكثافة في الإعلام الأمريكي الذي استنفر لأسبوع بعد وفاة جاكسون كما لم يحدث من قبل، والوصف حقيقي: فالمغني الراحل كان رمزا أمريكيا: مثل الكوكاكولا، مثل فورد، مثل جنرال موتورز، مثل ديزني..

ولأمريكا نقاط قوة بلا شك، ولنقاط القوة هذه رموز تعبر عنها ولا سبيل الآن إلى الدخول فيها: بعضها رموز أدبية (هيرمان ملفل، أرنست همنغواي، سكوت فيتزجيرالد)، أو رموز غنائية( سيناترا، بريسلي ) وأخرى رموز رأسمالية (روكفلر، فورد ) أو سياسية ( كنيدي، مارتن لوثر كنج)..

كل رمز من هذه الرموز عبر بشكل ما عن نمو المجتمع الأمريكي وتطوره في مرحلة من المراحل: فرانك سيناترا عبر بفنه عن "الحلم الأمريكي"، عن أحلام وقيم الطبقة العاملة المهاجرة من أوروبا في أوائل القرن العشرين والمتطلعة إلى الوصول الآمن إلى مرفأ الطبقة الوسطى: "الممثل الشرعي الوحيد" للحلم الأمريكي، وكل ذلك تحت إشراف الراعي الرسمي لهذا الحلم: الطبقة الرأسمالية.. وكان الانتقال من الأحياء الفقيرة في نيوجرسي إلى الأحياء الغنية في نيويورك (كما في أغنية نيويورك، نيويورك) ليس حلما شخصيا لسيناترا وحده، بل حلم الملايين الذي سحرتهم فكرة الحلم الأمريكي..

ألفيس بريسلي وقف على قمة تغيرات اجتماعية عميقة عصفت بالمجتمع الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، فنه عبر عن ذلك التحرر الأخلاقي الذي اجتاح جيله: عن ذلك الشك والريبة (كما في أغنية عقل شكاك suspicious mind)، عن الإحباط الذي عصف بجيل وجد في الروك والرول تنفيسا ما، إنها قيم "الفردية " التي لا يمكن إنكار أنها كانت بمثابة الداينمو في التجربة الأمريكية، تتحول لتصير القيمة الأخلاقية العليا للجيل الجديد: جيل وجد أنه صار مثل كلب صيد، ولكنه لم يصد أرنبا واحدا ( كما في أغنية كلب صيد Hound dog)، إنه الكاوبوي - الفرد مجددا، لكنه هذه المرة وحيد ولا يملك سنتا واحدا ( كما في أغنية كاوبوي وحيد Lonely cowboy)، ولكن هذا لا يمنعه من ارتياد أي طريق وأي قطار (كما في أغنية قطار غامض mystery train )..

لا أقول هنا إن ذلك كله كان فنا هادفا (لأنه ليس كذلك ببساطة).. لكنه عبر في مرحلة ما عن نقاط قوة أسهمت في البناء الحضاري الأمريكي، بغض النظر عن تقييمنا لهذا البناء، وبمعزل عن كون " نقاط القوة " هذه مناسبة لنا أو غير مناسبة: فليس كل ما هو مصدر قوة يكون صوابا، أو موافقا للشريعة. لكن هؤلاء كانوا رمزا لقيم أوصلت أمريكا إلى "النجاح" –بالمقاييس الأمريكية طبعا..

مايكل جاكسون كرمز أمريكي، يختلف تماما عن هؤلاء.. أفهم أن السيرك الإعلامي الآن منشغل بالتمجيد لما مثّله مايكل (بعدما انشغل لسنوات في السخرية منه)، لكني لم أجد فيما يمثله مايكل أية نقطة "قوة" تحسب لصالح البناء الأمريكي، على العكس: لم أجد فيه إلا نقاط ضعف تنخر في المجتمع الأمريكي وفي الحضارة الغربية عموما.. نجومية مايكل عاصرت "انفجار وسائل الإعلام"- بالذات تزامنت مع ولادة و انتشار الفيديو و "الفيديو كليب" وقد استفاد جدا من هذا، وهو أمر لم يتوفر لسابقيه من الرموز-.. ولذلك فإن تأثيره انتقل بذلك من التأثير على "أمريكا" إلى العالم بأسره: بعض من لا يتحدث الإنكليزية ولا يفهمها أصلا في بلداننا العربية الإسلامية تحول ليصير من أشد المعجبين هوسا بمايكل جاكسون..

أحب أن أذكر هنا أني أنتمي عمريا إلى الجيل الأول الذي استهدفته نجومية مايكل: كنت على عتبة المراهقة عندما انتشرت ظاهرة مايكل جاكسون عالميا، ولم أتذوق مايكل يوما ولم أعجب به ولا بفنه، كنت محصنا بما فيه الكفاية ضد" ثقافة القطيع " التي جعلت الكثيرين من أبناء جيلي يعجبون بجاكسون، بل ويفتنون فيه أحيانا بمعنى تقليد ملابسه وحركاته..الخ.

مع ظاهرة مايكل جاكسون، تحول الفن الغنائي ليصير تسلية استعراضية، لم يعد ممكنا فصل الأغنية ( بلحنها وكلماتها وأدائها) عن تصويرها المصاحب لها، والذي تحول مع مايكل جاكسون إلى تصوير لنوع من الرقص.... لا جدال في أن جاكسون هو من اخترعه ولكن لا جدال أيضا في أنه رقص بذيء بكل معاني الكلمة، ومليء بإيحاءات وحركات جنسية لا يمكن الادعاء ببراءتها على الإطلاق.. الكثيرون ممن أحبوا أغاني مايكل يوم انتشر أول مرة لم يحبوها سماعا أول مرة بل مشاهدة: عبر إخراج موسيقي وصوري لا يمكن إنكار براعته و"رقص" مزج بين حركات الإنسان الآلي (الذي بدأ الإنسان المعاصر بالتحول له ) وحركات الإنسان الفضائي على القمر (كما لو أن الحل هو الهرب إلى القمر). مع الوقت ارتبطت الأغاني المسموعة بالحركات الراقصة في أذهان السامعين..

لكن رسالة جاكسون خلف أغانيه كانت مسمومة جدا، : كلمات أغانيه الأولى التي أعطته الشهرة المدوية في أنحاء العالم كانت تعبر عن الانحطاط الخلقي بطريقة في غاية الانحطاط ! ، أي بالرقص عليها: بيلي جين Billie jean مثلا، الأغنية الأشهر والتي قدمت لأول مرة حركاته الراقصة كانت تتحدث عن فتاة حبلى لا تعرف من هو والد جنينها حقا (لكثرة الآباء المحتملين!!) و تريد أن تلصق طفلها بأي منهم !..الأغنية لا تمرر أية رسالة أو حتى أي تعاطف من خلال ذلك، فقط رقص محموم بينما المغني يؤكد أن الطفل ليس ابنه (the child is not my son).. هل من انحلال أكثر من هذا؟..، أغنية (سيئ bad أو المجرم الناعم smooth criminal ) كان فيها تمجيد للسوء بطريقة مريضة.. كان هناك بعض الأغاني الإنسانية، ولكن كلها جاءت في مرحلة متأخرة عندما بدأ النجاح يقل والبريق يخبو فأخذ مايكل يتكلف الاهتمام بقضايا البيئة والسلام، وكلها بدت نشازا عنه وعن مسيرته، وبعضها لم ينجح تجاريا، والذي نجح منها نجح بفعل إخلاص المعجبين به بشراء كل ما يصدره من إسطوانات، الاستثناء الإنساني الوحيد في أغانيه أثناء فترة نجاحه كان أغنية عن المجاعة في إفريقيا ولم تكن منفردة له بل جماعية وكانت بمثابة الرد الأمريكي لأغنية بريطانية سبقت الأغنية الأمريكية بحوالي 4 أشهر عن الموضوع ذاته..

ماذا إذن غير البذاءة الراقصة على الكلام البذيء؟..السيرك الإعلامي الغربي ( وبعض السيرك الإعلامي العربي المتفرنج بطبيعة الحال) سارع إلى إيجاد قيم وهمية مزيفة لظاهرة نجاح مايكل جاكسون وما عناه لأمريكا: الإعلام الغربي ركز على أن مايكل جاكسون كسر الحواجز بين السود والبيض في أمريكا، وأحد الكتاب العرب الليبراليين استهواه الأمر وقال إن جاكسون مهّد لأوباما !!!..والحقيقة أن الإعلام هنا يمارس كعادته دورا مزدوجا في تضخيم حقائق وإخفاء أخرى: فهو يخفي حقيقة أن المطربين السود كان لهم دوما معجبوهم البيض وأن نجاحهم لم يكن أقل من نجاح معاصريهم البيض (نات كنغ كول، روب روي، جيمس براون، أريثا فرانكلين) كما أن الفترة التي سبقت شهرة مايكل جاكسون شهدت رموزا غنائية سوداء ناجحة نجاحا غير مسبوق لا للبيض ولا للسود، وساعدت مايكل جاكسون في فترة من الفترات (ديانا روس مثلا).. أما أن يكون مايكل أنجح منه! م فهذا يعود إلى التوقيت المتزامن مع ظهور الفيديو وقنوات الموسيقى المتخصصة MTV، وإلى أن الشركة المنتجة قد أحسنت استغلال حركاته كصرعة جديدة في سوق التسلية..

لكن الأمر يتجاوز هذا، فمايكل لم ينجح هذا النجاح كله إلا عندما كفَّ عن أن يكون أسود: لا أقصد هنا السواد كلون بشرة فهذا أمر لاحق: ولكن حتى موسيقاه حملت آثارا بيضاء أكثر مما حملت من إرث السود وموسيقاهم.. و كأن الأمر يحمل رسالة معينة: كن كالبيض لكي تنجح.. وهو الأمر الذي كرسه جاكسون لاحقا بشكل بشع ومقزز عندما تحول مع مرور الوقت إلى اللون الأبيض..

إحدى أشهر أغانيه في تلك المرحلة كانت تتحدث عن التغير الذي يجب أن يحدثه "الرجل في المرآة " man in the mirror..تقول كلمات الأغنية( وأبدأ مع الرجل في المرآة / أقول له أن يبدأ بالتغير من نفسه).. عظيم جدا: لكن هذا التغيير ات! ضح أنه لم يكن أكثر من التحول إلى اللون الأبيض والملامح البيضاء.. هذا التحول عكس احتقارا عميقا للذات وللسود وإرثهم وثقافتهم، الأعذار الطبية التي قدمها جاكسون كانت سخيفة وواهية، ولو كان الأمر يتعلق بمرض جلدي لهان الأمر: لكنه أيضا عدل من شفتيه الممتلئتين مثل كل السود لتصير مثل شفاه البيض، ومن أنفه الأفطس الذي يعتبر علامة مميزة للسود ليمرره في سلسلة من التحولات ليشبه في النهاية أنف كليوباترة!! (ولا يمكن التأكد إن كان صالحا للتنفس أولا ). إذن جاكسون لم يجسر الهوة حقا بين البيض والسود بقدر ما عبر عن ضرورة ذوبان السود في ثقافة بيضاء إمبريالية لا تسمح لأحد حقا بالوجود إلا وفق شروطها ومعاييرها.. زواجه لاحقا من امرأتين بيضاوتين لا يمكن إلا أن يكون استمرارا لذلك: زواجه من ابنة بريسلي كان محملا بالمعاني، فبريسلي ينتمي أيضا إلى الجنوب العنصري المعادي للسود، وكانت هذه المصاهرة بين الفتاة البيضاء والشاب الأسود سابقا- الأبيض لاحقا.. بمثابة قبول رمزي للعنصرية البيضاء بالسود بعد أن أدوا كل ما يستطيعون ليتخلصوا من سوادهم.. زواجه اللاحق من الممرضة لا يخرج عن هذا الإطار إلا مع إضافة أنها يهودية! .. واليهود لم يكونوا قط على صلة طيبة بالسود.. لكنهم كانوا دوما على صلة طيبة بالمال بغض النظر عن بشرة صاحبه!!

باختصار، كان مايكل أفّاقا دعيّا يوم غنى "لا فرق بين أن تكون أبيض أو أسود " لأنه لو لم يكن هناك فرق فلا داعي حقا لتقوم بـ20 عملية جراحية لتصبح أبيض الملامح والبشرة.. كل ما يقوله السيرك الإعلامي حاليا عن جسر الهوة بين الأعراق مزيف، على العكس: كان جاكسون رمزا للأسود الذي يشعر بالدونية من سواده.. كان يمثل "الشعور بالنقص" تجاه الرجل الأبيض"، وهو شعور بالنقص لا يخص السود في أمريكا فحسب، بل يخص الملايين من شعوب أخرى تمتلكهم الدونية تجاه أمريكا وحلمها الأبيض: وكان إعجابهم بجاكسون وافتتانهم به، يمثل ولو في اللاوعي، ذلك الحلم المريض بالخروج من البشرة السمراء أو الصفراء أو السوداء إلى بشرة الرجل الأبيض.. (هل أحتاج أن أذكّر هنا بمساحيق تبييض البشرة وإعلاناتها البغيضة التي تكرس كل ذلك وتستثمر الشعور بالنقص لتحقق ما لا يقل عن 13 مليار دولار في عام 2008 فقط؟)

لكن جاكسون لم يكن رمزا أمريكيا في هذا فقط، فقد عبر وبنجاح كبير ليس عن إلغاء الفواصل بين الأعراق (وهو أمر كان سيكون إيجابيا لو كان حقيقيا) ولكن عن إلغاء الفواصل بين الجنسين.. بدأ جاكسون طفلا ثم صار بالتدريج رجلا بلا علامات للتخنث عليه، كان صوته رفيعا لكنه كان صغير السن أنذاك.. وعندما تجاوز العشرين كان صوته مقبولا كرجل لولا محاولاته تنعيمه، لكن فجأة بدأت بعض المظاهر النسائية تظهر عليه: أحمر الشفاه لم يعد يفارق شفتيه، ثم الكحل الذي لم يفارقه (حتى في وفاته) حتى ظهر في السنين الأخيرة في الحجاب و"العباءة" النسائية الخليجية عندما كان في البحرين.. تقول النكتة الرائجة عنه أنه تحول "من رجل أسود إلى امرأة بيضاء !!"..

هذه الحيرة في هويته الجنسية لم تبدأ مظاهرها إلا لاحقا بعد النجاح الذي حققه، هل كان الأمر يعود لرغبته الملحة إلى لفت الأنظار وأن يكون حديث الإعلام ولو على سبيل السخرية، أم أنه امتلك مشاكله الخاصة منذ البداية؟ لا فرق كبير، لأن الإعلام حتى لو سخر منه طويلا، فقد مرر رسالة قبول اجتماعي للموضوع: أنك تضحك في البداية منه ومن مظهره لكن مع الوقت تتعود عليه وتصير هذه الحيرة الجنسية المزدوجة بين الذكورة والأنوثة "علامة" حضارية أمريكية، وهي نقطة ضعف في المجتمع الأمريكي ومايكل بالتأكيد كان رمزا لها...(لم يكن سيناترا ولا بريسلي رهبانا ولا شرفاء من هذه الناحية إطلاقا، لكنهم كانوا على الأقل ذكورا لا شك في ذكورتهم!!)..

الأمر الثالث الذي يمكن اعتبار جاكسون رمزا له بينما هو نقطة ضعف في النسيج الاجتماعي الأمريكي هو أن المشاهير والأثرياء غالبا ما يتمكنون من الإفلات من العقاب: عندما ادعى عليه أحد الأطفال بتهمة التحرش الجنسي، تمكن مايكل من تسوية الأمر مع والد الطفل بمبلغ 22 مليون دولار، وهو الرقم الذي لم يتم التوصل إليه إلا عندما قال الطفل شيئا خاصا لا يمكن أن يعرفه أحد عن منطقة ما في جسم مايكل! أي أن القضية كانت "لابسة" جاكسون بالتأكيد، وبعد كل شيء: لِمَ تدفع كل هذه الملايين إن كنت بريئا؟؟!.. لكن القضاء الأمريكي على رغم من وجود نقاط قوة عديدة فيه لا يوجد فيه ما نعرفه بـ"الحق العام"..أي تنتهي قضية مثل هذه بمجرد تنازل صاحب الدعوى!!.. في القضية الثانية المشابهة للأولى لم يدفع جاكسون شيئا للمدعي، لكن هيئة المحلفين (jury! ) – والتي هي مجموعة من المواطنين العاديين يسكنون المقاطعة التي تقع ضمنها المحكمة، وهم ليسوا متخصصين في العدالة أو القانون ويمكن لهم السقوط في فخ نجومية الشخص المحاكم – قاموا بتبرئته.. وهكذا انتهى الأمر رغم أنه كان قد قال علنا في فلم وثائقي "إنه من أروع الأشياء مشاركة الأطفال في فراش واحد!!" وكان الطفل الذي اتهمه لاحقا بالتحرش مستندا على كتف جاكسون عندما قال ذلك!!!

كان جاكسون أيضا رمزا أمريكيا لا للتفكك الأسري في أمريكا فحسب بل لنشوء نوع جديد وهجين من الأسرة، النوع الذي يمتلك أبا أو أما واحدا في الأسرة: زوجته الثانية التي أنجبت طفلين أبيضين (تقول ويقول إنهما من صلبه!!) تنازلت عن الحضانة لقاء بضعة ملايين ولم ترهم مطلقا وبقي الأولاد مع جاكسون دون أن يرتبط بأخرى ( أي بدون وجود أم أو ظل لها أومن يقوم بدورها).. طفله الثالث (الأبيض أيضا!!) أنجبه جاكسون من أم مستأجرة surrogate mother..أي من أم أجّرت رحمها وبويضتها لتقدم طفلا لجاكسون، لم يعرف أسمها قط بناءً على عقد الاتفاق بينهما، بل إن شهادة ميلاد الطفل كتب عليها مقابل خانة اسم الأم: لا يوجد (none).. أستطيع تفهم الأسباب التي تدفع زوجين إلى اتخاذ رحم مستأجر عندما تكون الزوجة عاقرا مثلا، أما عندما لا يكون هناك زوجة أصلا فما المعنى من ذلك؟.. أكثر من هذا: ما ذنب الطفل أن يكتب في شهادة ميلاده أن أمه لم تكن سوى رحماً مستأجرا فضلت أن تأخذ الأموال حتى على ذكر اسمها ؟ ما معنى كل التباكي على حقوق الأطفال عندما نحرمهم من أبسط حقوقهم وأكثرها أصالة: أن يكون لهم أم، حتى لو كانت غير موجودة أو غائبة، أن يكون لهم في ذاكرتهم صورة لها، أو لمسة حنان، لا أن يقال في شهادة الولادة: لا يوجد؟..

لكن العائلة المكونة من زوج واحد single parent family أصبحت حقيقة إحصائية في المجتمع الأمريكي، وهي حقيقة ستنتج أمراضا اجتماعية كثيرة لاحقا، ومرة أخرى سيكون جاكسون رمزا مسخا للعائلة المسخ.. مرة أخرى: إنه رمز لمرض من أمراض هذه الحضارة..

الأمر الأخير الذي لا يمكن تجاوزه في ظاهرة جاكسون وتعبيرها عن أمراض الحضارة الأمريكية هو الاستهلاك الذي أدمنه مايكل (كأن يرسل المربية للتسوق ومعها مليون دولار!!) وتظهر بعض اللقطات الوثائقية في مطلع الألفية جاكسون وهو يتصرف كمحدث ثروة في متجر للأنتيكات: يشتري كل التحف في المتجر تقريبا، ثم يذهب إلى اللوحات الزيتية ويشتريها كلها دون حتى أن ينظر لها... تفسير ذلك نفسيا سهل وهو يعبر عن "الفلسفة " التي قامت عليها قيم الاستهلاك: فالاستهلاك يقوم بعملية تعويض للتقدير المتدني للذات، وهو التقدير المتدني الذي لم يخفه جاكسون يوما والذي وصل لحد كره واحتقار الذات والذي حاول دوما أيضا أن يعوضه عبر عمليات التجميل بلا جدوى..

لكن إذا كان الاستهلاك أساسيا في أمريكا من أجل دفع عجلة الإنتاج ابتداء، فإنه في حالة جاكسون ( كما في حالة أمريكا اليوم ) وصل حدودا قاتلة من السرف: ليس غريبا أبدا أن ينتهي الرجل الذي كان يوما ما أغنى أغنياء العالم وهو مدين بنصف مليار دولار ويعيش في بيت مستأجر.. هل يمكن أن ننسى هنا المقارنة مع أمريكا: صاحبة أضخم اقتصاد في العالم، وصاحبة أكبر ديون في العالم أيضا !!

هل يمكن أن يقول أحد هنا إنه يحب فن جاكسون فقط بمعزل عن كل ذلك؟ لا طبعا، يمكنه فقط أن يحب جاكسون دون وعي أن كل ذلك يتسرب في لاوعيه.. جاكسون وصورته وما مثله كان حزمة واحدة لا يمكن تجزئتها، لأن الإعلام اليوم اختلف عما كان عليه أيام كان النجوم يقدمون فنهم ولا تكاد تعرف شيئا عن حياتهم الخاصة: مع جاكسون الوضع اختلف، وارتبط فنه بكل ما مثله من "سوء" في حياته التي لم تكن خاصة على الإطلاق..

لا يمكن هنا تجاوز ظاهرة النفاق الإعلامي التي صاحبت حياة جاكسون ووفاته، فقد سار الإعلام باتجاه "نسب المشاهدة" سلبا وإيجابا، منذ التسعينات والإعلام يتخذ منه مادة للسخرية والضحك لأن ذلك كان يرضي الجماهير التي لم تعد تعجب به كمطرب بل صارت تتفرج عليه للتسلية، وفور وفاته انتبه الإعلاميون إلى الأمر بشكل مختلف، حيث أن معظم من راهقوا على أنغامه لا يزالون يشكلون شريحة تتميز بقدرة شرائية عالية، وموت مايكل جاكسون يمثل بالنسبة لهم موت فترة معينة من حياتهم،( أغلبهم امتلك البومات جاكسون يوم كانت أسطوانات وأشرطة كاسيت، والآن حان الوقت لشرائها مجددا على أقراص ليزرية!!) لذلك سرعان ما تحول المزاج الإعلامي ليدخل في مهرجان استعراضي رخيص في رثاء وندب المطرب الراحل (السي إن إن مثلا قدمت خمسين دقيقة عن مايكل جاكسون في كل ساعة إخبارية تقدمها، أي أكثر من 80 % من بثها ولمدة أسبوع كامل كما لو أنه أول أو آخر من مات ع! لى كوكب الأرض، وحققت بذلك أعلى نسب المشاهدة بين كل القنوات في هذه الفترة، عدا قنوات الترفيه التي تفرغت تماما للأمر وتم غالبا إخفاء قضايا التحرش بالأطفال، أو عرضها بشكل منحاز باعتباره "حبيب الأطفال الذي أسيء فهمه! " أوفي أحسن الأحوال ضمن سياق: يحق للمبدع ما لا يحق لسواه!!)..

الأمر الآخر الذي لا يمكن تجاوزه هنا هو ذلك التحقيق المستمر عن الدواء الذي قتله أو الدواء الذي لم يقتله، كما لو مشكلته بدأت قبل بضعة ساعات من وفاته، كما لو أنه مات بجرعة مفرطة من هذا العقار أو ذاك وليس من جرعة مفرطة من نمط حياة مفرغة من القيم الإيجابية ومليئة بكل ما هو سلبي في الحياة الأمريكية..( وهذا الأمر هو في حقيقته هوس أمريكي بالبحث عن أسباب جزئية مباشرة لمشاكل كبيرة)

لم تكن السكتة القلبية التي أردته أكثر من تعبير فسلجي عن السكتة الحضارية التي كان جاكسون رمزا لها. .هل ستموت أمريكا واقفة كما مات رمزها المسخ؟ لا أدري.. ربما تستطيع أمريكا أن تغير مسارها هنا أوهناك، ربما تستطيع أن تستعيد بعض إيجابياتها المندثرة.. ربما تستطيع أن تعالج بعض الأمراض التي كان جاكسون رمزا لها.. هذا بالتأكيد شأن الأمريكيين وليس شأني..

لكن ما هو في عمق شأني هو منظر أولئك الشباب العراقيين الذين ظهروا على السي إن إن ليعبروا عن حزنهم على وفاته التي تزامنت- بالصدفة - مع انسحاب القوات الأمريكية..

كان ذلك الحزن ( والذي أعرف أنه عمّ أرجاء المعمورة كلها وليس بلدي العراق فقط) تعبيرا عن مظهر من مظاهر الاحتلال الذي لا يمكن عقد اتفاقيات الانسحاب فيه، الاحتلال الذي يسكن الرؤوس والقلوب وليس القواعد والأراضي..

وأسوأ ما في الأمر، أن جاكسون كان رمزا لكل ما لا نحتاجه من أمريكا، كان رمزا للشعور بالدونية والسلبية، لكل مساوئها وسلبياتها وأمراضها في هذه المرحلة من مراحل تطورها..

لو أن الرمز كان يمثل حب النظام، أو الاعتزاز بالوطن، أو التقدم العلمي..(وهي قيم موجودة إلى حد ما في أمريكا) لربما كان يمكن الاستفادة منه..

لكن هذا المسخ، الذي خلقه الله في أحسن تقويم، ثم أردى نفسه أسفل سافلين.. هو آخر ما يمكن الاستفادة منه حاليا..أوفي أي وقت.

 
الاسم :
الايميل :
الدولة :
عنوان التعليق :
نص التعليق :



أدخل الرمز :


 


جاري التحميل ...